ترى الصحفية سارة الديب أن الحرب الأهلية في السودان تدخل طوراً أكثر خطورة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور، عقب طرد الجيش السوداني من آخر معاقله هناك، في تطور يهدد بتقسيم البلاد فعلياً بين سلطتين متصارعتين.

 

وتشير واشنطن بوست إلى أن هذا التحول الميداني يكرّس تفوق قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد عامين من القتال الدامي، بينما يتراجع نفوذ الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان نحو الشمال والشرق.

 

تؤكد الصحيفة أن القتال من أجل السيطرة على السودان أودى بحياة أكثر من أربعين ألف شخص، وأوجد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مع نزوح ما يزيد على 14 مليون مدني. وتوضح أن سقوط دارفور بأكملها في يد الدعم السريع بعد معركة الفاشر يمثل نقطة اللاعودة في الحرب، حيث يفقد الجيش آخر رموزه العسكرية غرب البلاد، فيما تترسخ سلطة الميليشيا في مناطق شاسعة تعادل مساحة فرنسا تقريباً.

 

توضح الصحيفة أن المواجهات الدامية التي بدأت في أبريل 2023 تحولت إلى حرب شاملة استُخدمت فيها الطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة، بينما انهارت الخدمات الأساسية في المدن والقرى. ومع استيلاء الدعم السريع على الفاشر، يزداد القلق من موجة جديدة من العنف العرقي، خصوصاً ضد جماعات الزغاوة والمساليت، الذين يتهمون الميليشيا بارتكاب مجازر واسعة في دارفور خلال السنوات الماضية.

 

تلفت واشنطن بوست إلى أن الجيش السوداني لم يعد يملك سوى جيوب محدودة من السيطرة في شرق البلاد وشمالها، بينما يخوض معارك متفرقة في محاولة لاستعادة بعض المواقع. أما قوات الدعم السريع، فتعزز مواقعها في الغرب، وتفرض واقعاً سياسياً جديداً يجعل السودان مهدداً بالانقسام الفعلي إلى كيانين، أحدهما يخضع لسيطرة الجيش والآخر لحميدتي وحلفائه القبليين.

 

وتوضح الصحيفة أن المجتمع الدولي يقف عاجزاً أمام هذا الانهيار المتسارع. فمحاولات الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية عبر محادثات جدة توقفت منذ شهور، بينما تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات هائلة في إيصال المساعدات إلى ملايين المتضررين. ويقول مسؤولون أمميون إن السودان يعيش “كارثة من صنع الإنسان”، حيث يتعرض المدنيون للتجويع والنزوح القسري والقتل على الهوية.

 

تشير الكاتبة إلى أن حميدتي يقدّم نفسه زعيماً وطنياً يسعى “لإنهاء حكم العسكر”، لكنه في الواقع يبني سلطة موازية تعتمد على العائدات غير الرسمية من الذهب وشبكات الدعم الخارجي. في المقابل، يواجه البرهان عزلة سياسية متزايدة، مع تراجع الدعم الإقليمي له بعد سلسلة الهزائم العسكرية، ما يجعل ميزان القوى يميل بوضوح نحو الميليشيا.

 

تضيف الصحيفة أن سقوط دارفور يثير قلق مصر وتشاد وليبيا، إذ تخشى هذه الدول من انتقال الفوضى عبر الحدود، خصوصاً مع تزايد تهريب السلاح والمهاجرين والمسلحين. ويرى مراقبون أن سيطرة حميدتي على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وتشاد تمنحه أوراق ضغط جديدة، ويتيح له التحكم في طرق الإمداد والتجارة غير الشرعية في المنطقة.

 

تحذّر واشنطن بوست من أن الحرب لم تعد مجرد صراع على السلطة داخل الخرطوم، بل تحولت إلى صراع إقليمي متعدد الأطراف، تستخدم فيه الأطراف المتنازعة موارد البلاد ومواطنيها كرهائن لتحقيق مكاسب سياسية. فبينما يواصل البرهان التعهد باستعادة دارفور، يعلن حميدتي أنه “حرر الإقليم من الطغيان العسكري”، في خطاب يعكس تصاعد النزعة الانفصالية والخطاب القبلي.

 

في الختام، ترى الصحيفة أن السودان يقف على حافة التفكك الكامل، مع غياب أي بوادر لحل سياسي أو تدخل دولي حاسم. الحرب التي بدأت كصراع على السلطة بين جنرالين تحوّلت إلى مأساة إنسانية تهدد بتمزيق الدولة نفسها، بينما يغرق الملايين في الجوع والنزوح والموت البطيء تحت سمع العالم وبصره.

 

https://www.washingtonpost.com/world/2025/10/29/sudan-rsf-war-darfur/35839a96-b4c4-11f0-88c1-4e2f98984a34_story.html